مُفردة الخوف.
أدعي أن الخوف هي الصفة التي جعلتنا نتكاثر كبشر إلى هذا العدد الهائل، 8 مليار إنسان.
أي أن المحرك الرئيسي للإنسان هو إحساسه النابع بالخوف، الخوف بكل
أشكاله، وخاصةً الخوف من المجهول، فإننا نتقدم
في الطب مثلاً نتيجة خوفنا من الأمراض التي من الممكن أن تأتي أو التي قد
أتت فخفنا أن تبقى منتشرة، فهذا ولد دافعاً داخلياً بإنتاج لقاحات وأدوية من
شأنها أن تزيل الخطر المحدق بنا، الخوف وسيلة في الكثير من الأحيان، وفي أحيان
أخرى فإن الخوف يكون فيها مرضاً مستشرياً في نفس الإنسان.
منذ الإنسان الأول كان الخوف صفة ملازمة له، والخوف هو المفردة الوحيدة التي
يمكن أن ترتبط فيها كل الصفات الأخرى، سواء صفة حميدة أو خبيثة، مثال على هذا:
خائف مصاب بالجشع من خوفه على ما قد يذهب منه، خائف مصاب بالكذب من خوفه أن يُكشف
أمره، خائف مصاب بالتظاهر بالقوة كي لا يُكشف ضعفه....إلخ.
وهذا يكشف لنا عن سلوكيات البشر المبنية بشكل كبير من الخوف، حتى أنه
معجون بالخوف.
- سلوك الخوف عند سقراط
قال سقراط عن الخوف: "الخوف يجعل الناس أكثر حذراً، وأكثر طاعةً
وأكثر عبودية"- إنتهى الإقتباس.
وهذا إتجاه آخر أيضاً لمفردة الخوف لدينا، حيث أنه ومن الممكن أن يكون
الخوف غريزة تبعدنا عن الخطأ والخطر، ويمكن لها أن تؤدي بنا على النقيض الآخر إلى
الهلاك.
حيث أن الخوف من شيء ليس عليك الخوف منه يفرق عن الخوف من شيء يجب
عليك الخوف منه.
وفي الحقيقة مقولة سقراط هذه أكثر ما ينطبق عليها هو أنها قاعدة لمن
أراد أن يسيطر على الناس ويصبح له سلطان عليهم، فالخوف الغريزي عند الإنسان هي ورقة رابحة عند من أراد أن يحكم ويسيطر، هذا
ما كان يجري عبر التاريخ، وبالطبع من أراد هذه الورقة الرابحة أيضاً يتملكه الخوف
بأن تتم الإطاحة به نظراً لإستبداده للناس فيخشى أن يذهب حكمه وفيزيد من طغيانه
على الناس.
لقد إختلف المفكرين والفلاسفة حول مهية الخوف، فالبعض يرى الخوف هو
أساس أخلاق الشخص، والآخر ينظر إليها أنها عبودية، ولكن الجدير بالذكر أن الخوف
لديه وجهان في عملةٍ واحدة، وربما لديه أكثر من وجهان، لأن الخوف مفهوم لا يتحفز
ويُقيم إلى من خلال المستجدات التي تطرأ على كل فرد سيبدأ بالشعور بالخوف، وقد
بينت سابقاً في ذات المقالة بعض أشكال أن تكون خائفاً لسبب ما، وفي أحيان أخرى
يختفي هذا السبب ولكن تبقى في حالة خوفٍ دائم إلى أن يصل بك الأمر إلى حالة مرضية،
ترى فيها أشياءً وهلاوس ليست حقيقية.
وإن تكرار الخوف، أي إعادة شكل من أشكال الخوف كالحرب مثلاً، يبدأ
العقل بمعالجة هذا التكرار من أصوات ومشاهد وقصص إلى حكم الإعتياد، فيصاب بحالة من
الملل من الخوف ذاته، فلا يعود يهتم أو يعير هذه المخاوف إهتماماً إلا إذا لامسته
شخصياً بعد ذلك، وبهذا يرى أمراً جديداً حدث معه يحفز فيه حالة الخوف، وهذا الأمر
لا يحدث عند الجميع وإنما البعض، فمازال هنالك حروب تحدث ومازالت الناس تخاف،
كالذي يجري بإستمرار في عالمنا العربي، فإننا بارعون جداً في وصف الخوف وتصنيفه
وتحليله وهيكلته وأشكاله وأنماطه وآثاره، دعنا نقول أنها خبرة مكتسبة أيضاً بحكم
العادة.
- أعظم ما يصيب الإنسان من جزع هو الموت.
الموت هو حالة مهما تكررت تبقى مرعبة كالمرة الأولى، فإن شعور الإنسان
بأنه سيفقد إرتباطه بهذا العالم، والأفكار التي تتابع في ذهنه ما بعد الموت تكون
قاسية وحادة على عقله أن يتصورها أو يبرهنها، لأنها تجربة فردية يخوضها الإنسان
وحده، وقد علمنا أن أكثر ما يخيف الإنسان هو المجهول، والموت هو أكبر مجهول عند
الإنسان.
وعبر الفيلسوف الألماني ايمانويل كانط قائلاً: "ليس الموت إلا القِناع الذي يُخفي نشاطاً أكثر عمقاً وأقوى مغزى وأن
ما يسميه القانون بالموت هو المظهر المرئي لحياتي وهذه الحياة هي الحياة
الأخلاقية، وما يُسمى بالموت لا يُمكن أنيقطع عملي لأن عملي ينبغي أن يُنجز لأنني
يتعين علي أن أقوم بمهمتي فليس هماك حد لحياتي، إنني خالد". – إنتهى
الإقتباس.
وهذا يأخذنا إلى منعطف آخر، هو تساؤل مهم، هل يخاف الإنسان من الموت
لأنه يعلم أن هناك شيء بعد الموت؟
في الحقيقة هذا الصحيح وأكثر واقعيةً، وحتى الذين يعتقدون بعدم وجود
حياة بعد الموت يخافون من الموت أيضاً، لأن فطرة الإنسان وهذه الروح التي تسكن هذا
القالب من الجسد تعرف ما يأبى به العقل الذي دوماً ما يفرض لنا إحتمالات عديدة
تغطي على الحقيقة الحتمية.
ولن يستطيع أي فيلسوف متجرد من مسائل الروح أن يبرهن أو يفسر أو
ينتقد، فحتماً سيذهب في نهاية المطاف إلى إيمان معين حول هذه القضية.
فإن الكثير من الفلاسفة وصلوا إلى أن الروح في ذاتها هي خالدة، كما صرح أفلاطون وايمانويل وغيرهم بعيداً عن شكل إعتقادهم.
وإن إيماني التام هو أن الحياة كالمجاز والحقيقة تبدأ عند الموت.
إن الإنسان قد خُلق ضعيفاً، وإنه فقط يعزز من قوته بالله، ومع الله لا
خوف إلا من الله وحده، فمن يخشى الله يقويه الله ويثبت قلبه.