كتاب العين للخيل بن أحمد وبحوث المستشرق برونيلش.
تظهر تجليات اللغة العربية الفصيحة والقادرة على التحدي والإبداع
والتميز عبر من أسسوا لها العلوم المختلفة كي يكون لها فهم علمي وفكري وأدبي، وإن
من هذه الأعمال الكبيرة هي معاجم اللغة التي تفصل وتفند اللغة العربية وتشرح وتوضح
وتضع النقاط على الحروف، فالضرورة من هذه الأعمال هي حفظ للغة وتيسير تعلمها عبر
توضيحها ووضع الإشكالات أمام المتعلم أو الباحث، حيث توجد الكثير من المعاجم
الكبيرة مثل المعجم الوسيط والمعجم الغني ومعجم اللغة العربية المعاصرة ومختار
الصحاح والعباب الزاخر والأمثال العانية لأحمد تيمور باشا والقاموس المحيط ولسان
العرب.
ولكن نريد أن نسلط الضوء على المعجم الذي قام بوضعه الخليل بن أحمد الفراهيدي
وهو كتاب أو معجم العين الذي قام بإتمامه وإكماله الليث بن المظفر الليثي الكناني،
وما يميز هذا المعجم أن الخليل بن أحمد لم يجمع ألفاظه عن طريق إستقراء ألفاظ اللغة،
وإنما جمعها بطريقة منطقية رياضية، وذلك تباعاً لترتيب الحروف ومخارجها، حيث بدأ
الخليل بالحروف الأعمق مخرجاً والتي تصدر من الحلق، ورتب حروف الحلق إبداءً من
الهمزة والهاء والعين وإنتهاءً بالغين والخاء، فمن المتعارف عليه أن الحروف
الأبجدية العربية تبدأ من الألف وتنتهي بالياء، ولكن الفراهيدي أرى أن الألف تتعرض
إلى التسهيل والتخفيف وأن حيرف الهاء صوت ضعيف مهموس ، وبهذا إنتقل إلى الجزء الآخر
من حروف الحلق وبدأ بحرف العين؛ لأن حرف العين صوت قوي مجهور، وبالتالي نرى أن
كتاب العين مرتباً ترتيباً صوتياً، وقد جرد الكتاب من أي إضافات في الألفاظ وردها
إلى جذرها اللغوي، وقام بتسمية الكتاب بالعين على أساس الكل بالجزء.
ولاقى كتاب الفراهيدي هذا نقاشاً وإهتماماً واسعاً من قبل المستشرقين وأخص بالذكر المستشرق برونيلش( (Braunlichالذي نشر في المجلد الثاني من مجلة إسلاميات مقالاً طويلاً بعنوان (الخليل وكتاب العين)، وكان برونلش يستند في هذه المقالة الطويلة أو بحثه على عدة كتب منها: "الجمهرة لإبن دريد" و"نزهة الألبا لإبن الأنباري" وكتاب "الفهرست لابن النديم" وغيرها من الكتب...لكي يخرج بنقد لكتاب الخليل "العين"، ولكن الروايات مختلطة وصعبة الفهم، حيث كان يشاع أن الليث المظفر هو من ألف الكتاب بعد موت الخليل ونسبه إلى الخليل حتى يكتسب شهراً على إسمه، ولكن هذا ليس منطقياً نظراً إلى أن الخليل بن أحمد قام بتأليف كتاب آخر يسمى "فائت العين"، ويستشهد في بحثه بأقوال الكثير من المؤلفين والعلماء في اللغة، يفتشون هم أيضاً عن صحة أن كتاب العين قد ألفه الخليل بن أحمد الفراهيدي.
واستشهد برونيلش قائمة طويلة من المؤلفين المشهورين مثل: أبي زيد، ابن
قتيبة، ابن السكيت، المبرَّد، الذين لا يظهر الخليل في كتبهم بوصفه حجة في اللغة
ويظهر أنه من المؤكد أن اللغويين القدامى كانو ا يجهلون البحوث اللغوية للخليل، أو
أأنهم لم يولوها قيمة كبيرة.
وهذه الإدعاءات والروايات الكثيرة بحسب ما ورد في كتاب " آراء
المستشرقين في نسبة كتاب العين إلى الخليل" ، حيث أن الخليل قد عرف نحوياً
وليس لغوياً، وهذا ما أثار التساؤلات وإنتشار الإشكالات في الأوساط الأدبية قديماً
وحديثاً، ولكن ربما بالفعل لم يولوا لمؤلفات الخليل اللغوية كما إهتموا بفهمه
وإبداعه في النحو.
وإن هذا في ضوء البحث الذي قدمته غراف دولاسال عن آراء المستشرقين في
نسبة كتاب العين للخليل، وإن أهم المستشرقين الذين أحاطوا بهذا الموضوع إحاطة
كبيرة كان المستشرق برونيلش.
وإستناداً إلى بعض الروايات التي تحدثت عن حثيقة أن كتاب العين يعود
في أصل تأليفه إلى الخليل بن أحمد الفراهيدي.
منها الرواية التي تنتسب إلى الخليفة عبد الله بن المعتز (ياقوت ، مج6
،ص 223 ؛ المزهر ، مج1 ، ص48 ، حاجي خليفة ، مج5 ، ص121 ؛ الفهرست ، مج1 ، ص42).
"كان الليث على الخليل كثير من الأيادي البيضاء، وقد وجده الخليل
عالماً جليلاً فباعه كتاب العين بمئة ألف درهم، فعكف الليث على قراءته ليلاً
ونهاراً حتى حفظ نصفه عن ظهر قلب، ولكن زوجة الليث أرادت أن تنتقم منه لأمر شخصي
بينهما، فعمدت إلى حرق المخطوطة. ولما لم يكن هناك نسخة أخرى من الكتاب، وكان
الخليل قد توفي منذ زمن، فعمد لليث على الفور إلى كتابة القسم الأمل الذي يحفظه عن
ظهر قلب، ولجأ إلى كل علماء عصره ليعيد تأليف القسم الثاني".
وإن أكثر الروايات التي جاءت في هذه المسألة كانت تدافع عن الخليل
وتنسب إليه كل الخير والعلم والورع ولا يمكن للفراهيدي أن يدعي أمراً ليس بفاعله،
وأنه لا يدعي مثل هذه الإدعاءات.
فمن لا يعرف بحور الشعر الستة عشر للخليل بن أحمج الفراهيدي وعلم
العروض، وأقسامه، ومفاتيح البحور، التي جعلت للشعر هيكلية منتظمة يُعرف من خلالها
قدرة وصحة أي بيت شعري من عدمه.
ويبدو أن الجدل حول كتاب العين سبقى مفتوحاً، ولكن على الرغم من كل
النقاشات التي تدور حول الكتاب سيبقى الكتاب مقروناً باسم الخليل إلى الأبد.