الفلامنكو - فلاح منكوب - قصة الفلامنكو وإرتباطها بالعرب
غرناطة قد سقطت وأخذت معها كل أمل ممكن للمسلمين هناك، وهنا قد ولدت
قصة جديدة حول ما حصل بعد السقوط، وبعدما قامت قشتالة يتغير كل شيء في الأندلس
بحيث تصبح مسيحية كاثوليكية، وإن القصة تتمحور حول ظهور فن من فنون الرقص والغناء
قد إنتشر في ذلك الوقت ومازال قائماً إلى يومنا هذا مع تغيرات كبيرة في شكله
ومعناه.
الفلامنكو أو كما كما يطلق عليها عربياً "فلاح منكوب" وهي
كلمتين أطلقت على الفلاحين العرب الذين صودرت أملاكهم وأراضيهم بعد سقوط الحكم
العربي لبلاد الأندلس في شبه الجزيرة الأيبيرية، وإن لفظة "فلامنكو"
منحوتة من كلمتي "فلاح منكوب" بالعربية.
ويعود تاريخ هذا الفن إلى منتصف القرن التاسع عشر، ولا يوجد دلائل
واضحة حول أصلها ولكن أنقل وأقدم لكم ما هو مٌتداول عنها بالأخص في إسبانيا وما
يُروى عنها هناك.
ويقال أن هناك شعب يُسمون " الغجر" وهو شعب جاء إلى الجزيرة
الأيبيرية وكان مضطهداً فيها، وأعراقهم مختلطة معتقداتهم أيضاً، فإنه شعب في روحه
العديد من الأديان والمعتقدات إن صح التعبير، وربما هذا يعود إلى كثرة ترحالهم
ومخالطتهم للكثير من الأعراق، وعندما وصل الغجر إلى شبه الجزيرة الأيبيرية التي هي
الأندلس والتي هي إسبانيا، إلتقى بشعب هذه المنطقة، والذي هو أبضاً شعب مختلط
عرقياً، فيهم المسلم واليهودي والمسيحي، وعندما تم إحتلال غرناطة وكانت بها نهاية
الأندلس، قد تم إضطهاد كل من هو مختلف، طُرد المسلمون واليهود، ومن بقي تم إضطهاده
ومنهم من قُتل واستولوا على ممتلاكاتهم وأراضيهم، فالشعوب التي بقيت ولم تهرب،
إنهى بهم الأمر لاجئين عند الغجر، فإحتظنهم الغجر، وإن هؤلاء الناس اللاجئين
المضطهدين مع مرور الوقت عليهم في مخالطة الغجر أصبحوا منهم، وإن هؤلاء اللاجئين
المنكوبين يُسمون بالمورسكيون، وهم المسلمين الذين بقوا في الأندلس بعد سقوط
غرناطة، وكان الغجر يمتهنون ما يمتهنه المورسكيون، وبسبب مخالطتهم لبعضهم وتمازج
الثقافات بينهم أصبح في اللغة الغجرية كلمات أتت بشكل مباشر من اللغة العربية مثل
كلمة "دوكلم" وهي مزيج بين اللغة السانسكريتية واللغة العربية،
و"دوك" بالسانسكريتي و "كلم" المأخوذة من كلمة
"ألم" في اللغة العربية، وإن كلمة "دوكلم" تعني بالعربية
الصرفة "ألم الألم" كتعبير ومبالغة من شدة الألم.
ومثلما إنتقلت الكلمات لقد إنتقلت الموسيقى أيضاً، فإن موسيقى
المورسكيين إمتزجت مع موسيقى الغجر وموسيقى السود الأفارقة، من هنا يأتي أصل
الفلامنكو كفن موسيقي، وقد ولد الفلامنكو من هذا الخليط الثقافي بين الشعوب
المختلفة، فإن المورسكيون كانوا هم أهل الأندلس سابقاً، وعندما سقطت قد فُرض عليهم
دين آخر وعلى البلاد كافة، وهي الكاثوليكية، فكان على المورسكيين أن يصبحوا
كاثوليكاً، وكذلك فُرضت عليهم لغة، وهي اللغة "القشتالية الإسبانية"،
وقد تعلم المورسكيون اللغة القشتالية وتحولوا إلى الكاثوليكية،وفعلوا ذلك حتى
ينجوا بحياتهم من بطش القشتاليين الكاثوليك، فكانوا المورسكيون يحاولون إظهار
أنفسهم في المجتمع على أنهم الأكثر كاثوليكيةً في العالم، فأكلون لحم الخنزير
ويشربون الخمر، ويفعلون ما لا يمكن أن يفعلونه كمسلمين، كما أنهم إدعوا أنهم
يستخدمون " التقية "، والتقية هي رخصة في الإسلام تسلمح للمسلم أن يخرج
عن ملته ودينه لكي يتقي شراً قد يُصيبه بسبب دينه ومعتقده، ولكن داخل منازلهم
وبينهم وبين أنفسهم يبقوا مسلمون، فكانوا يشعرون بألم شديد من هذا الأمر وأن عليهم
أن يخفوا دينهم ويأتوا أشياءً لا يرغبون بها.
ومن هنا بدأوا يعبروا عن هذا الألم بموسيقى الفلامنكو، ولكن موسيقى
الفلامنكو ليست أندلسية، فإن الموسيقى الأندلسية راقية، والموسيقى الغجرية هي
موسيقى العوام أو الشعبية، فقد يوجد بالموسيقى الأندلسية حزن، ولكن الفلامنكو يوجد
به الصدمة والألم، حيث أنهم يضربون أرجلهم على الأرض بقوة ويصفقون بحرارة كأنهم
يلطمون على ما حدث لهم، فقد سلبوا منهم هويتهم التي يعتزون بها وينتمون إليها
وأخذوا الجوهر الذي يجعلهم مسلمين، فيغنون بألم لأنهم لا يستطيعون أن يكونوا على
ما كانوا عليه في الماضي.
وهناك بيت من قصيدة لأغنية فلامنكو يقول:
أنا لم أعد ذات الشخص الذي قد كنته
لستُّ ذلك الشخص الذي يجب أن أكونه
أن كقطعة ثياب مُلقاة على الطريق
أي أنه لم يعد ذلك المسلم، جعلتموني كاثوليكياً، ولا يجب علي أن أكون
كذلك، فأنا أصبحت لا شيء.
وهذا اللاشيء هو أصل الفلامنكو كقصة مأساوية يتم فيها غناء ما تبقى في
الذاكرة من الماضي، حيث تحمل كلمات ومعاني قوية.
وإن أحد جذور وفروع الفلامنكو يطلق عليه اسم " صوليا " وأتت التسمية من الصلاة والدعاء، فكان أداءها مثل الترتيل، ولكن بعد ذلك بدأ هذا الأصل يتغيرـ لأنها تؤدى باللغة القشتالية كلغة جديدة لهم، وقد نُسيى لماذا كانت تُرتل هكذا في وقتها، إننا في الصلاة نناجي الله عز وجل، وأنا هنا لا أُماثل بين الصلاة الحقيقية التي نتعبد بها وما يسمى بالفلامنكو، ولكن أنقل لكم ما كان سائداً وقتها من فكر وإعتقاد وكيفية، فكانوا عندما يُغنون ويعزفون يُرددون كلمة "أُليه" بضم الألف، وهذه الكلمة تعني الله.
وبعيداً عما تحمله الفلامنكو من مرقص ومغنى، فهي قصة قد ظهرت ممتزجة
بأعراق وأديان ومعتقدات وأفكار وإضطهاد، وألم وحزن وتشتت وتشرد وإهانة وقتل ودماء،
فهي قصة بقيت أثراً دالاً على ما حدث في شبه الجزيرة الأيبيرية من أحداث مأساوية
قد عاشها المسلمون هناك.
وإن الفلاح المنكوب هذا يشبه في ألمه الفلاح المنكوب في فلسطين
المحتلة.