الحالة العربية - فرط التخلي
إلى أي رقم تستطيع أن تصل في العد حتى أحصي لك الخيابات والسقطات التي
أهلكتنا؟
ها هنا نجلس متربعين الأرجل تحت نافذة نحاكي عقول بعضنا، والسؤال أين
العلة؟
أنا وأنت قد صمتنا لمدة تتجاوز الخمس دقائق نبدو في حالة هروب من
الإجابة، ولكن على المركب أن تسير، هل على حوتٍ ما أن يبتلعنا كي نتعض؟.
ما الإجابة الشافية التي ستحسم هذه العلل والتعلل؟
بتنا أنا وأنت لا نذكر إجابة ولكن نتسأل يا رجل، حتى من شدة الإنغماس
في التساؤلات سكبت على بنطالك فنجان قهوتك، ثم أخذت بماءٍ من زجاجة تسكبها فوق
القهوة على بنطالك، إلى أن غرقت القهوة في ماءٍ عذب وإختفى أثرها!
وهذا إستوقفني يا رجل، إننا نحتاج إلى النظيف!، علينا الكثير من البقع
تحتاج إلى تنظيف
فقد توشح الناس بلباسٍ تعيبه بقعٌ كثيرة وأوصدوا على أنفسهم أبوب
الحقيقة والطهارة، فأينما كنا أمسينا لا ندرك أننا من ظهر الرجال الذين غيروا
خريطة العالم القديم، لقد تبدلت الدنيا غير الدنيا، وإنا إذاً لخاسرون.
هل أدركنا قول الله تعالى: "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا
تفرقوا" ؟.
هذا هو المفتاح الذي به دخلنا إلى باب الرشاد، وبه خرجنا منه متفرقين
أشتاتاً في كل بقاع الأرض وحتى داخل الوطن.
لقد طفتُّ كالروح الضائعة في كل مكتبة وبين كل كتاب وعلى كل طاولة دار
فيها نقاش عَلي أجدٌ العلة، لستُّ بالرجل الذي يمكنه الحكم على أمة أو حتى على
نفسه، ولكن أستطيع أن أرى الذي نحن أصبحنا عليه من فرطٍ في التخلي!.
تمنيت لو أن السماء كانت
أمطرت معجزة تغير القلوب بعد أن بارت، ولكن الله جل في علاه وضعنا وترك لنا
الإختيار، إما أن تُفسدوا وإما أن تتبعوا هُدى الرحمن وعندها سيكون الله مع
المتقين، معادلة سهلة وواضحة، لكننا أوشكنا على ترك كل الهُدى والأخذ بكل الفجور،
إن الله جل في علاه ألهم النفس فجورها وتقواها، إذا بوسعنا أن نتقي أو نفجر.
أول ما تركنا قد تركنا العلم، وكان العلم مجتمعٌ في شيأين إثنين،
القرآن الكريم والسنة النبوية، ومن ثم الكثير من التفرعات التي أُلهمنا بها من
فهمنا للكتاب والسنة ومن حبنا في إعمار الأرض كما أمرنا ديننا الكريم.
أين كانت السقطة؟
أتت من غفلة وتخاذل عن التمسك بثقافتنا وحضارتنا حيث، الحرب كانت
فكرية بالدرجة الأولى، كنا نسمع عن شيْ يسمى " الكُتاب " وهذا مكان في
الأغلب يكون مسجداً، يدرس الأطفال القرآن الكريم ويحفظونه عن ظهر قلب بحيث تصبح
حصيلة الطفل اللغوية تتجاوز الخمسين ألف كلمة، ويتعلمون السنة وهدي النبي عليه
الصلاة وأتم التسليم، وكانوا يدرسون أصول الدين والفقه والشريعة، وبعد أن يتموا
هذا، يبحرون في الأدب العربي من شعرٍ ونثرٍ وقولٍ وحكمةٍ، وأكبر مثال على ذلك هي
قصيدة ألفية إبن مالك، التي تحتوي على 1000 بيت، كانت تدرس وتحفظ للأطفال، وبها
يصبحون عالمين بكل قواعد اللغة وآدابها وبلاغتها وأصولها.
ومن هنا بدأت النكبة، عندما أتى الإستعمار الغربي إلى بلاد المسلمين، أول شيء غيروه وبدلوه هي هذه الثقافة وهذا العمل والكتاتيب، ووضعوا مكانها المدارس الأجنبية، والأنظمة الأجنبية، والأفكار التي تخصهم، علموا مصدر القوة التي كنا نملكها، العقل هو أساس القوة.
وبهذا تراجعت الناس عن واجباتها تجاه دينها وأرضها، وأخذت تتبع
المناهج والأنظمة والمواثيق التي فرضت علبها فرضاً، والذي كان أولى في الإتباع قد
ترك هكذا، حيث أننا اليوم أصبحنا نشكك في كل كلمة تكون بإطار ديني، لقد فصلنا
الدين عن دنيانا ونسينا أو تناسينا أن الدين ما أتى إلا أن يكون منهاجاً حقيقياً
لحياة البشر، ومن نسي الله أنساه الله، ومن أتى لله وأراد رضى وجهه الكريم، كان
الله معه ولو تكالبت عليه الأمم.
فاليوم ترى أبناء جلدتك يصدون التراث الإسلامي والموروث الثقافي
الإسلامي ويحاججون بأفكارٍ عصرية تبدو لهم وهي ليست إلى تطبيق أعمى لمنهجية الغرب،
ولكن علينا أن نفرق، أن الفكرة ليست عدو بذاتها، وإنما العدو هو دحض عادة سليمة
وإحلال محلها عادة خبيثة.
لسنا ضد التجديد والتحسين والتطوير، ولكن نريدها من منظورنا، أوليس
ابن خلدون عربياً مسلماً؟
هاك هذا الرجل أليس من العلماء الأوائل والمفكرين الواضعين لأصول علم
الإجتماع ونشئة وتنشئة الدولة والحكم والمعملات والعلاقات؟
الغريب أننا نأخذ ممن سواه والذي ليس بسواه متأثر به بالأصل، حيث أن
من كشف عن مؤلفات إبن خلدون كانوا مستشرقين، حيث شهر إبن خلدون فب الأوساط
الأوروبية بقوة و أولى
الترجمات عن مقدمة ابن خلدون فتعود إلى سنة ١٨٠٦، حيث نشر «سيلفستر دي ساسي»
ترجمةً فرنسيةً لأبحاث البيعة وشارات الملك مع الفقرة الأخيرة من الديباجة، وقد
نشر المشار إليه بعد ذلك سنة ١٨١٠ أيضًا ترجمة بعض الأبحاث الأخرى، ولكن جميع تلك
الأبحاث لم تكن مما يُظْهِر أهمية المقدمة إظهارًا كافيًا.
أليس كل هذه الإشارات والعلامات والإمتحانات كافية حتى تستيقظ؟
إنك تُهلوس واقعياً، تُهلوس وأنت تشاهد وتشعر لكن تراه مجرد قضية
عابرة.
لا أدري كيف أتحدث بعد هذا، فإن لساني قد تعقد وتربط وجف حلقي ولستُّ
مناجياً أحد إلا الله، عسى أن يتغير الحال إلى الأفضل.