إكسير الخلود - هوس مستطير.

 

أورولوس فيليبوس ثيوفراستوس - إكسير الحياة.

التاريخ المتبقي من هذه الدنيا يبدو أنه قليل، وليس بوسعنا أن نضيف شيء لهذا العد التنازلي سوى أن نتنفس آخر أنفاسنا المتبقية لنا، فالوقت يمضي والجميع منشغلٌ في ترهلاته اليومية، على أنه قادر عليها وهو ليس بقادر، لسنا بشيء، إنها الحقيقة المرعبة على هذه الأرض، لسنا قادرين على الصراع الأزلي هذا، وإن في التاريخ لعبر وأحداث تقشعر لها الأبدان، هم ما عادوا موجودين ونحن سنذهب إلى ذات الإتجاه الذي ذهبوا إليه مجبرين عليه لا خيار في ذلك.

اليوم يتخبط الإنسان وأصابه الذعر والإنزعاج، يحاول أن يصنع ويخلق إكسير الخلود، يرتب كل الترتيبات الممكنة ويضع كل الإحتمالات المتوقعة له ويمزج الألوان الكيميائية على بعضها البعض، ثم يتجرع هذا الخليط بهوس البقاء، ثم يفشل في تجاربه ورغبته، ثم يجرب شيئاً آخر، فيخرج من جيوبه المليارات ليضع على وجهه مشرطاً ويشد هذا الطين الذي على وجهه ويزرع في صحراء رأسه شعراً ويجري إلى صالات الرياضة ليكون العضلات المفتولة، ثم بعد مدة يفسد جسده من جديد ويعيد الكرة مرة أخرى.

لا يريد أن يرى أن هذا الجزء من الكأس لا يمكن لأحد أن يملأه، فهذه حتمية الحياة ولسنا في عدمية وعبث.

فإن هذا الخلاف لايزال قائماً في نوادي الفلسفة والفكر، فنحن نختلف بأمر واحد معهم، وهم كذلك، نحن نقول لا يمكن للعقل أن يشكل الأخلاقيات، وهم يقولون بل إن العقل هو كل شيء، حيث أنهم يعيشون في عالم ٍ مادي بحت، ولا ينصفون التفكير السليم لمعطيات الواقع، حيث أنهم في النهاية بشر، وبشكل أو بآخر ستغلب عليهم العاطفة ولن يكونوا قادرين على إضافة منطق عقلي لها، إذا هناك مسلمات وهناك ما يمكن تركيبه بحيث يتماشى مع طبيعة الأيام.

لا يجرؤون على إعادة هيكلة أفكارهم؛ لأنهم وبالضرورة سيهدمون كل ما وصلوا إليه من نظريات مادية.

إن الحقيقة الكامنة وراء ما يقولون هي أنهم يعلمون ولكن لا يعلنون، فهم في حالة مسير طويل إلى النهاية المحققة، وفي النهاية سينصف المحق في أطروحاته وأفكاره الحقيقية التي أدركها سابقاً، ولكن الفريق الآخر لن يفيده وقتها أنه قد أدرك الحقيقة، سيكون قد فات الأوان على ذلك.

ومن رؤية تاريخية للحياة الإنسان، هذا التفكير لم يكن جديد بل هو قديم جداً، فكرة إكسير الخلود أو الحياة كان مسيطراً على الكثير من الأباطرة والملوك، إنها الرغبة والنشوة بالحياة التي قد تزينت لهم، فأين يذهبون ويتركوا كل هذا ورائهم!.

الخلود كان منزع إنساني ورغبة أسطورية عبر ثقافات الشعوب القديمة التي كتبت وأشعرت ودونت أساطيرها على هذه الحكاية، مثل الإغريق في اليونان كانوا يسمونها "رحيق الآله"، بزعمهم أن الآلهة إستنفذوا كل إكسير الخلود ليبقوا خالدين.

وأيضاً إذا ذهبنا شرق هذا الكوكب حيث التنين الصيني، توجد أسطورة عندهم تسمى بالخيمياء الطاوية، والطاوية هي مذهب ديني وفلسفي يعتقدون به قديماً وينقسم هذا إلى قسمين هما "نيدان" و"ويدان"، فوفقاً لهذه الفلسفة الطاوية فمن الممكن الوصول إلى إكسير الخلود عبر هذين الفرعين.

ويعتقد أنه يمكن الوصول للخلود عبر ممارسة بعض الحركات الجسدية وفسيولوجية والتأمل وتناول نظام غذائي معين، وكان هذا هوس بالخلود قد قتل الملوك في الصين، مثل تشن تشي هوانغ وهذا الرجل هو أول إمبراطور للصين، حيث أمر بالبحث عن إكسير الحياة لكي يأخذه ويصبح خالداً، فمات الإمبراطور المهووس بالتسمم.

وغيره من الأباطرة الكثيرين الذين ساروا على نفس نهجه وهوسه الكبير في الخلود.

وإذا ذهبنا نحو بابل العراق، سنرى أشهر قصة في العالم، وهي قصة ملحمة جلجامش التي تم بناءها على البحث عن إكسير الشباب الدائم، وفي القصة قد بكى جلجامش على انكيدو وهام على وجهه في البراري وصار يناجي نفسه إن مات أفلا يكون مصيري مثل انكيدوـ وملك الأسى والحزن روحه –وهام في القفار والبراري خائفاً من الموت.

وإن فكرة الخلود هذه كانت أيضاً إلهاماً للكثير من كتاب السيناريو ومخرجين الأفلام، وكتاب الروايات الفنتازية، مثل رواية دراكولا "ابرام ستوكر"، الذي صور فيها مصاصين الدماء أنهم يعيشون لمئات السنين.

وفيلم "The old guard" من إخراج "جينا برنس بيثوود" الذي يجسد نزعة الإنسان للخلود، وفيلم Time After Time"" للمخرج نيكولاس ماير، وغيرها من الأفلام المختلفة التي تتناول نفس القضية.

إن هذه الرغبة المفرطة في الخلود، حتى على سبيل الفكرة تبدو مشوقة ولكن، لا بد أن ننزل إلى الواقع الآن ومنخرج من الخيال والهوس.

إن الخلود كحقيقة موجود ولكن ليس الآن إنما بعد إنتهاء هذه الدنيا، سنُخلد خلوداً سرمدياً، ولكن المفارقة تكمن في أين تريد أن تكون خالداً، هل في النعيم أم في الجحيم؟!.



Next Post Previous Post
No Comment
Add Comment
comment url