الإنسان والكون - فلسفة الوجود والحقيقة التي تغيب


 

من متحف المتيروبوليان


الإنسان الأول والقدرة الأولى على فهم نفسه وما حوله من وقائع، ونظرية الصدفة الوجودية.

 

ربما نحن متوجسون كثيراً في مسألة الكون وإرتباطه بنا، حيث أن البشر أصبحوا موجودين في مكان لا يجد فيه سوى نفسه التي تعي أنه يفكر ويستنبط من أفكاره رؤى، وإني لأعتقد أنه ليس من المنطقي أن يكون الإنسان قد وجد بالصدفة، والحُجة على ذلك من باب المنطق وفلسفة الكون في وجوده، والحياة بشكلٍ عام، أنه إذا إفترضنا أن الإنسان قد وجد صدفةً إذاً من الضروري أنه وجد كبيراً وليس طفلاً صغيراً، والإنسان الأول على وجه الأرض ألن يكون الأمر مرعباً له؟، ألن يصعق مما هو فيه بناءً على تركيبه الفسيولوجي والأيديلوجي!، ومن صعقته سيبقى متسمراً في مكانه ولا يحرك ساكناً لأنه لا يفهم ولا يفقه شيئاً، ولا حتى كيف يمكنه أن يمشي.

ومن هذا المنطق، أقول أن الإنسان الأول كان له إرتباطاً روحانياً وثيقاً، جعله يستمر في الحياة على نحوٍ طبيعي ومنطقي، وهذا بالنسبة لإرتباط الإنسان في هذا الوجود، أما بالنسبة للوعي الذي كان مُتشكلاً  فيه آن ذاك، فإنه من الصعب تخمين ذلك أو وضعها في إطار دراسة دقيقة، ولكن هنالك طريقة لفهم الأمر بعض الشيء، وهي إذا كان الإنسان الأول قد فهم  رسالته الأولى عن وجوده في هذا العالم إذاً بالضرورة قد شكل وعياً مُتماشياً مع مضمون الرسالة الموكل بها، إذاً من نقطة بداية إلى هدف في النهاية، وهذا يسهل على الإنسان كونه يتبع خطوات قد تعلمها مسبقاً، والإرتباط الروحاني في الحقيقة يحمي الإنسان من إرتكاب أي سوء في حق نفسه فيفنيها من بدايتها.

والمفهوم الذي كان لديهم عن الكون يمكننا تحديده بما كان يراه الإنسان الأول، أقصد أن رؤيته للسماء الواسعة والأرض الفسيحة والأشجار العملاقة والأنهار العظيمة والبحار الضخمة، يجعله يصف هذه الحالات إما على شكل حروف ينطق بها ليعبر عنها أو بالدهشة والإيماء مما يرى، إذاً الوسيلة هي الرؤية بالعين، والعين تؤدي إلى الشعور بهذه الأشياء التي فوق قدرته، ويُرجع هذه الأشياء إلى قوة أكبر منه حتى تكون منطقية، وإني مؤمن ومعتقد بما جاء في الإسلام والرواية الإسلامية عن الإنسان والكون.

هذه رؤيتي للأمر مما لا شك فيه، ولكني أحاول أن أفصل قليلاً، حتى نأخذ الأمر إلى بعد فكري مادي بعض الشيء، كي نضع إطاراً فلسفياً للمسألة.

في البداية كان الإنسان يبحث عن شيء واحد يوجه له كل هذه القدرة، ومع تتابع الأزمان تغيرت هذه الرؤية، ويعود السبب إلى أننا لسنا الوحيدين في هذا الكون، نعم هناك أشياء لا يمكننا رؤيتها ولا أقصد بذلك وجود ما يسمى " بالكائنات الفضائية " أو هم أيضاً لا أجزم بذلك، وهذا قد تم إثباته علمياً، حيث أننا نرى في ثلاثة أبعاد فقط كبشر، ومازال هناك أبعاد أخرى ليس بمقدورنا نحن أن ندركها، وهذا إن دل على شيء فيدل على وجود عوالم خفية وهذه العوالم يمكنها العبث بواقعنا الموجودين فيه، ولتبسيط الأمر سأطرح مثالاً بسيطاً مستبعداً في المثال وجود كائن، عندما أقول لك إنتبه أن تخرج في الصيف أمام شمس الظهيرة تحسباً من أن تصيبك الأشعة الضارة، هذه الأشعة لا يمكنك رؤيتها، في فوق مستوى الرؤية، ولكن أدركناها من خلال أجهزة حديثة، تكشف الأشعة التحت حمراء والفوق بنفسجية وغيرها، وهذا مثال من بعد آخر خارج عن نطاق رؤيتنا الطبيعية متواجد في عالمنا الذي نعيش فيه وملاصق لنا في كل حين.

وهذا يأخذنا إلى مسالة العبث بمفهوم الإنسان حول الحقيقة التي كان عليها وتركها، أي أن هناك قدرات خارجية وخارجة عن منظور الإنسان تعبث بتفكير البشر، حيث يتم تغيير حقيقة أن كل هذه القدرة والقوة والعظمة المتمثلة في الكون الكبير ترجع إلى مصدرٍ واحد، فيأتي هذا العبث ويتوه البشر ويذهبون إلى أن يعددوا في مصدر القوة ويجعلوها آتية من عدة مصادر، ونوعوا في مهية المصادر، مثل الحضارة الإغريقية والمثيولوجيا المتعلقة بهم وجبل أولمبيا والإلياذة، وما ورد أيضاً من قصص عن الأقوام السابقة التي قد هلكت بسبب مفهوم التعددية هذا، كما جاء في الإسلام العظيم، والشرائع الأخرى كاليهودية والنصرانية.

 

وفي النهاية سأقول أمراً عليه أن يؤخذ بجدية وفهم عميق للحقيقة.

لا يمكن أن تفصل الإنسان عن مصدره الحقيقي، وإن فصلت بينهما ستدخل تلك المتاهة التي لا خلاص منها إلا بأن تعود إلى المصدر الواحد، ولا يمكن أن تضع هذه المسائل حيز التجريب، إن الفلاسفة قد فشلوا عندما كانوا يفصلون بين الواقع والمصدر، فإن هذا ما هو إلا مجرد تخبط في اللاشيء و الحقيقة واضحة كالشمس.


Next Post
No Comment
Add Comment
comment url